شهدت تحويلات المصريين العاملين بالخارج طفرة قياسية خلال الشهور الثمانية الأولى من عام 2025، لتسجل 26.6 مليار دولار بزيادة بلغت 47.2% مقارنة بنحو 18.1 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2024، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.
وتمثل هذه القفزة مؤشراً قوياً على استعادة الثقة في الجهاز المصرفي المصري، وعودة تدفقات النقد الأجنبي عبر القنوات الرسمية بعد فترة من التراجع، مدفوعة باستقرار سوق الصرف وتراجع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي.
تحسن كبير في أغسطس
وخلال شهر أغسطس 2025، ارتفعت التحويلات بمعدل 32.6% لتصل إلى 3.5 مليار دولار مقابل 2.6 مليار دولار في أغسطس 2024، لتواصل الأداء الصاعد منذ بداية العام.
ويرى خبراء اقتصاديون أن هذه الزيادة اللافتة تعكس نجاح السياسات النقدية للبنك المركزي في ضبط السوق وإعادة الثقة للمغتربين في تحويل أموالهم عبر البنوك، مؤكدين أن استقرار الجنيه وتوافر النقد الأجنبي ساهما في تحفيز العاملين بالخارج على تحويل أموالهم من خلال القنوات الرسمية.
مصدر رئيسي للنقد الأجنبي
تُعد تحويلات المصريين بالخارج أحد أهم مصادر العملة الصعبة لمصر، إذ تساهم بشكل مباشر في دعم الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي تجاوز مؤخراً 48 مليار دولار، وتعزز من قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها التمويلية وتوفير السلع الاستراتيجية.
وبحسب التقديرات، تشكل التحويلات نحو 35% من إجمالي موارد النقد الأجنبي للبلاد، لتصبح ركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار المالي والنقدي.
ثقة متجددة في الاقتصاد المصري
ارتفاع التحويلات بهذا المعدل الكبير يعكس أيضاً تجدد ثقة المصريين بالخارج في الاقتصاد المحلي بعد سلسلة من الإصلاحات النقدية والمالية، أبرزها توحيد سعر الصرف وتحرير حركة النقد الأجنبي، إلى جانب التحسن في مؤشرات الاستثمار والسياحة.
كما ساهمت البنوك في جذب التحويلات من خلال تطوير الخدمات الرقمية وتقديم برامج مخصصة للمغتربين، تشمل تحويل الأموال بسهولة، وفتح حسابات دولارية ميسّرة، وحملات تشجع على الاستثمار في شهادات وأوعية ادخارية داخل مصر.
تأثير إيجابي على الجنيه والسيولة
من المتوقع أن يؤدي ارتفاع التحويلات إلى زيادة المعروض من الدولار داخل البنوك المصرية، ما يدعم استقرار سعر الصرف خلال الأشهر المقبلة، ويُخفف الضغط على السوق الموازية.
ويرى محللون أن استمرار هذا الاتجاه حتى نهاية العام قد يدفع إجمالي التحويلات في 2025 إلى تجاوز 40 مليار دولار للمرة الأولى، وهو ما سيعزز موقف الاحتياطي الأجنبي ويدعم قوة الجنيه أمام العملات الأجنبية.
اقتصاد الثقة يعود بقوة
تؤكد البيانات الأخيرة أن المصريين بالخارج ما زالوا يمثلون أحد أعمدة دعم الاقتصاد الوطني، وأن عودة التحويلات إلى مستوياتها التاريخية دليل واضح على نجاح الدولة في استعادة الثقة وتحقيق استقرار نقدي مستدام.
فالتحويلات لم تعد مجرد أموال تُرسل من الخارج، بل أصبحت شرياناً أساسياً لاقتصاد الثقة، يُغذي النمو، ويدعم الأسر، ويمنح الاقتصاد المصري قوة دفع جديدة في مرحلة التحول والإصلاح.