بقلم: د. شيماء وجيه، الخبيرة المصرفية
أطلق البنك المركزي المصري بالتعاون مع وزارة الخارجية، ومجموعة من البنوك الوطنية وعلى رأسها البنك الأهلي المصري وبنك مصر، مبادرة نوعية تحت شعار “افتح حسابك في مصر”.
تهدف هذه المبادرة إلى تمكين المصريين المقيمين بالخارج من فتح حسابات مصرفية داخل مصر عن بُعد، دون الحاجة للعودة إلى البلاد أو زيارة فروع البنوك، وذلك باستخدام إجراءات رقمية مبسطة تعتمد على الهوية وجواز السفر فقط.
وتأتي هذه الخطوة في سياق جهود الدولة لتعزيز التحويلات الخارجية وجذب مدخرات المصريين بالخارج من خلال القنوات الرسمية، دعمًا للاقتصاد القومي وتعزيزًا لاحتياطيات النقد الأجنبي.
الأهداف الاستراتيجية للمبادرة
تعزيز تدفقات النقد الأجنبي عبر تسهيل تحويل الأموال مباشرة من حسابات العاملين بالخارج إلى البنوك المصرية.
تحقيق الشمول المالي العالمي بربط المصريين في الخارج بالنظام المصرفي المحلي وإدماجهم في الدورة الاقتصادية الوطنية.
دعم الثقة في الاقتصاد المصري عبر تبسيط الإجراءات المصرفية وتوفير قنوات رقمية آمنة وسريعة للتحويلات.
تحفيز الاستثمار الفردي، إذ تُمكّن المبادرة المصريين بالخارج من إدارة مدخراتهم وشراء شهادات الاستثمار أو الاكتتاب في أدوات مالية داخل مصر بسهولة.
وتتكامل هذه الأهداف مع رؤية مصر 2030، التي تضع ضمن أهم محاورها تحقيق التنمية المستدامة القائمة على الاقتصاد المعرفي والتحول الرقمي.
آليات التنفيذ والتطبيق
تعتمد المبادرة على منظومة مصرفية رقمية حديثة وضعتها البنوك بالتنسيق مع البنك المركزي المصري، وتتضمن:
إتاحة فتح الحساب عن بُعد عبر المواقع الإلكترونية للبنوك المشاركة أو تطبيقات الهاتف المحمول.
تطبيق إجراءات “اعرف عميلك” إلكترونيًا للتحقق من الهوية باستخدام البيانات الرسمية وجواز السفر.
الربط المباشر بالحسابات الدولية لتسهيل التحويلات الخارجية بالعملات الأجنبية.
إصدار بطاقات دفع دولية ومحافظ إلكترونية تتيح للمصريين بالخارج استخدام أموالهم داخل مصر دون تعقيدات.
تقديم دعم فني على مدار الساعة لتسهيل التواصل مع العملاء بالخارج ومتابعة حساباتهم وتحويلاتهم.
الأثر الاقتصادي والتحليل المالي
من المتوقع أن تُسهم المبادرة في زيادة التحويلات الرسمية، التي تُعد مصدرًا رئيسيًا للعملة الصعبة في مصر، إذ تبلغ تحويلات المصريين بالخارج أكثر من 30 مليار دولار سنويًا في المتوسط.
وكل زيادة بنسبة 10% في التحويلات تضيف نحو 3 مليارات دولار إضافية إلى موارد الدولة من النقد الأجنبي، ما يخفف الضغط على سوق الصرف ويعزز استقرار الجنيه المصري.
بالنسبة للقطاع المصرفي، فإن المبادرة توسّع قاعدة العملاء بالبنوك الوطنية وترفع حجم الودائع بالعملات الأجنبية، مما يمكّن البنوك من تمويل التجارة الخارجية والمشروعات القومية. كما تُعزّز المنافسة المصرفية في تطوير الخدمات الرقمية، خاصة في مجال التحويلات اللحظية والتعاملات الإلكترونية عبر الحدود.
على مستوى الاقتصاد الكلي، تسهم المبادرة في خفض الاعتماد على السوق الموازية للنقد الأجنبي، وتعزز الثقة في الجهاز المصرفي الرسمي، كما تساعد في تقليص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والموازي وتحسن قدرة الدولة على إدارة السيولة الأجنبية داخليًا.
التحديات المحتملة
رغم قوة المبادرة، إلا أن نجاحها الكامل يرتبط بعدة عوامل، منها:
مدى ثقة العاملين بالخارج في استقرار سعر الصرف واستدامة السياسات النقدية.
التنافس مع شركات التحويل الدولية مثل ويسترن يونيون، ما يتطلب من البنوك تقديم رسوم تحويل وخدمات مصرفية تنافسية.
ضرورة توافر الوعي المالي والرقمي لدى بعض الشرائح من المصريين بالخارج، خاصة في الدول غير العربية أو ذات الأنظمة المصرفية المختلفة.
توافر الاستقرار الاقتصادي الداخلي الذي يشجع على تحويل المدخرات إلى مصر بدلًا من الاحتفاظ بها بالخارج.
التوصيات الاقتصادية
توسيع نطاق الحملة الترويجية للمبادرة عبر السفارات والقنصليات المصرية في الخارج.
تحفيز العاملين بالخارج بمزايا إضافية مثل شهادات ادخار بعائد مميز أو إعفاءات من بعض الرسوم التحويلية.
الربط بين المبادرة والمشروعات الوطنية الاستثمارية بحيث يتمكن المغترب من الاستثمار مباشرة في أدوات مالية أو صناديق وطنية.
ضمان استقرار سياسات الصرف وتوضيح الرؤية النقدية للمغتربين بشكل شفاف لتعزيز الثقة طويلة الأمد.
تطوير بوابة إلكترونية موحدة تجمع خدمات كل البنوك تحت إشراف البنك المركزي لتسهيل فتح الحساب والتحويل في خطوة واحدة.
تمثل مبادرة فتح الحسابات للعاملين بالخارج إحدى أهم أدوات السياسة النقدية الحديثة، التي تجمع بين تحفيز الموارد الخارجية وتعزيز الشمول المالي الدولي.
ولا يتوقف نجاحها على التسهيلات التقنية فقط، بل على استدامة الثقة في الاقتصاد المصري واستمرار الحوافز الجاذبة للمصريين بالخارج ليكونوا جزءًا فاعلًا من منظومة التنمية.
ومع توسّع الدولة في التحول الرقمي والحوكمة المصرفية، فإن هذه المبادرة تُعد ركيزة محورية لتعزيز قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة تحديات التمويل الخارجي ودعم الاستقرار النقدي في المدى المتوسط والطويل.








